ربما كان معلوما أن اللعب مع الأقران في الهواء الطلق من مستلزمات الطفولة الأساسية. ومعلوم أيضا أن الأزمنة الحديثة وتطور العمران والحواجز الاجتماعية خاصة في المدن الكبيرة وفوق كل شي آخر حرص الآباء الزائد على سلامة أطفالهم، عوامل تحرم العدد الأكبر منهم من هذا الوضع الطبيعي.
لكن علماء النفس يمضون الآن الى حد يحذرون فيه من مخاطر مخيفة تحيق بحرمان الآباء أطفالهم – لسبب أو آخر - من اللعب كما حلا لهم خارج المنزل. ويقولون إن هذا الحرمان يتخذ له أشكالا من الاكتئاب قد تصل بسهولة الى نزعة نحو الانتحار في وقت لاحق من العمر.
ويصف اولئك العلماء العديد من الآباء بعبارة «أبراج المراقبة»، لأن هؤلاء هم الفئة التي تطوّق أطفالها بحرص مفرط على سلامتهم وتحجر عليهم الخروج منفردين الى حيث يمكن لهم الجري وركل كرة أو علبة فارغة وتسلق الأشجار واستكشاف المجهول عموما والتعرض لمستويات من المغامرات والمخاطر المقبولة لأناس في أعمارهم.
وكانت مجلة «جورنال اوف بلاي» الأميركية المتخصصة في سبل الترفيه عن الأطفال قد طلبت الى عدد من علماء النفس والخبراء التحقيق في عواقب ظاهرة تلاشي لعب الصغار في ساحات المدن وشوارعها. فعادوا بالقول إن حرمان الصغار من حرية اللعب خارج جدران المنزل يعرّضهم للإصابة بالبدانة المفرطة والصحة الجسدية الهشّة والمهارات الاجتماعية المحدودة... وهذا على سبيل المثال فقط.
ونقلت صحيفة «ديلي اكسبريس» البريطانية عن بيتر غراي، بروفيسير علم النفس بجامعة بوسطن قوله: «للأسف فقد شهدت السنوات الخمسين الماضية تناقص المساحة الممنوحة للأطفال ليعبوا كما حلا لهم في الولايات المتحدة وبقية الدول المتقدمة والثريّة». ويمضي قائلا: «هذا تطور ينطوي على مخاطر هائلة في ما يتعلق بالتطور الجسدي والعقلي والنفسي والاجتماعي لدى الأطفال» ويضيف أن العلم «أثبت وجود روابط قوية بين حرمان الصغار من اللعب خارج أسوار البيت مع أقرانهم وحالات الإصابة بالنرجسية والأنانية والاكتئاب المَرَضي الذي يصل في حالات عديدة الى حد الانتحار».
ويقول البروفيسير غراي إن من المهم للأطفال ايضا اللعب في مجموعات تشمل مختلف الأعمار، لأن هذا يتيح لهم تعليم من هم أقل عمرا منهم، في الوقت الذي يتعلمون فيه من اولئك الأكبر سنا. ومم جهتها ألقت عالمة أخرى، هي الدكتورة الينورا سكينازي صاحبة كتاب «صغار أحرار»، اللائمة في نوع المشاكل التي تحدث عنها البروفيسير غراي على عدة عوامل.
وتقول سكينازي إن جزءا من هذه العوامل يتعلق مباشرة بالآباء الذين يحرمون أبناءهم من اللعب خارج المنزل، وزرعهم الخوف في نفوسهم من مخاطر «الغرباء». وأضافت الى هذا تيارات عصرية جارفة مثل ألعاب الكمبيوتر والمواقع الاجتماعية على الإنترنت.