قال
الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ)
ولَمَّا بيَّن الله عزّ وَجَلّ أحكام الصيام خَتَم الآية بِقوله :
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
فالْهَدَف الأسمى مِن الصيام : تحقيق العبودية لله عزّ وَجَلّ ، وتحقيق التقوى .
والتقوى – كما قال عمر بن عبد العزيز - : ليست التقوى قيامَ الليل ، وصِيام
النهار ، والتخليطَ فيما بَيْنَ ذلك ، ولكن التقوى أداءُ ما افترض الله ،
وترك ما حرَّم الله ، فإنْ كان مع ذلك عملٌ ، فهو خير إلى خير .
وذَكَر ابن رجب رحمه الله كلام القوم في التقوى ، ثم قال :
وحاصل كلامهم يدلُّ على أنَّ اجتناب المحرمات - وإنْ قَلَّتْ - فهي أفضلُ
مِن الإكثار مِن نوافل الطاعات ، فإنَّ ذلك فرضٌ ، وهذا نفلٌ . اهـ .
إن اجتناب الْمُحرَّمات مَطْلَب شَرْعيّ ، وليس لأحدٍ عُذر في ارتكاب ما
حرَّم الله عزّ وَجَلّ ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : إِذَا
نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ . رواه البخاري ومسلم .
فَمَا صامَ مَن لم تَصُم جوارحه ..
ما صام مَن أطلق لِسانه يَفْرِي في أعراض عِباد الله ..
وأطْلَق بَصَره في عيوب الناس وعوراتهم .. وقَلَّب ناظِريه في المناظِر الْمُحرَّمة ..
وأرخَى سَمْعه يَسمع به ما حَرَّم الله ..
وما صام مَن لم يترُك ما حرَّم الله في ليل رمضان ونهاره ..
وما صام مَن أكل الربا ..
وما صام مَن أكل حقوق الناس ..
وما صام مَن ظَلَم الناس وبَهَتَهم .
وما صام مَن أضاع ساعات عُمره على القنوات الفضائية ..
وما صام مَن غشّ الناس ..
وما صام مَن كذب وغَدَر وخَان ..
وما صام مَن حَلَف كاذبا .. أو شَهِد الزور ..
وما صام مَن لم يصُم عن التدخين ، وأشدّ منه مَن لم يَصُم عن الْمُخدَّرات والْمُسْكِرات ..
وكثير مِن هؤلاء نَصيبهم مِن صيامهم هو الجوع والعطش !
وفي الحديث : رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ،
وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ . رواه الإمام أحمد ،
وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد .
وقال المنذري : رواه الطبراني في الكبير وإسناده لا بأس به . وصححه الألباني .
وهؤلاء غَفَلُوا عن حِكْمة الصيام .. وظنّوا أن المقصود هو الامتناع عن الطعام والشَّرَاب !
والله عزّ وَجَلّ غنيّ عن تعذيب العباد لأنفسهم .. فليس هذا هو المقصود ..
إنما مِن المقصود أن تَسْمُو النفس وتَزْكُو .. ولذا قال عليه الصلاة
والسلام : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ
لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ . رواه البخاري .